لم تحظ شجرة في تراثنا العربي بما حظيت به النخلة من تكريم حتى أنها نالت مكانة عظيمة في الأديان السماوية، وورد ذكرها في القرآن الكريم فى آيات كثيرة وأفاض العرب في وصفها ، وكانت مصدراً لإلهام الشعراء على مر العصور ، وكلما تقدم العلم أكد فوائد جديدة لمنتجات النخلة لم تكن معروفة من قبل .
النخلة لغةً
جاء في لسان العرب لابن منظور : النخلة ، شجرة التمر ، الجمع نخل ونخيل وثلاث نخلات .. وانتخل الشيء أي صفاه واختاره ، وفي القاموس المحيط : النخلة كالنخيل ويذكر واحدته نخلة وجمعه نخيل ويستعمل النخل بمعنى الصفع كما قال الصفدي .
تاريخ النخلة
أجمع كثير من الباحثين على أن شجرة النخيل عمرها يزيد عن أربعة آلاف عام، أما موطن الشجرة الأصلي فيرى العالم الايطالي (بكاري) أن موطنه الأصلي منطقة الخليج العربي ويستدل على ذلك بقوله : هناك جنس من النخيل لا ينتعش نموه إلا في مناطق نادرة الأمطار حيث تتطلب جذوره وفرة الرطوبة .. ويقاوم الملوحة الى حد بعيد ، ولا تتوافر هذه الصفات الا في المنطقة الكائنة غرب الهند وجنوب إيران والساحل الغربي للخليج العربي .
وعرف النخيل في وادي النيل منذ عصر ما قبل الأسرات وقد عثر أحد الباحثين على مقبرة في أرمنت بجنوب مصر ، على مومياء ملفوفة في حصير من سعف النخيل .
واهتم المصريون القدماء برسم النخلة على جدران معابدهم ورصدوا لها ما يقرب من 360 فائدة بعدد أيام السنة ، أما في بلاد الرافدين فقد وجدت ألواح سومرية تتضمن وصفاً مفصلاً لبساتين النخيل ، وفي شريعة " حامورابي " مادة عن التمور والنخيل تقضي بعقوبات رادعة لكل من يقوم بقطع النخيل .
وقد انتشرت شجرة النخيل في العالم بعد الفتح الإسلامي ، فقد نقل العرب زراعة النخيل الى الأندلس في القرن السابع ومنها الى انحاء أوربا ، ووصلت النخلة الى المكسيك في القرن الثامن عشر وعرفت في الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع القرن العشرين عقب استيرادها لآلاف الفصائل من العراق وتونس وإيران .
النخلة في الديانات السماوية
حظيت النخلة بمكانة عظيمة في الديانات السماوية فقد أطلق اليهود على النخيل والتمر لفظ ( تمارا ) ويروى عنهم أنهم لاحظوا اعتدال جزوع النخلة وقوامها المديد وخيرها الوفير فأطلقوا على بناتهم اسم (تمارا) تبركاً بالنخلة ورمزاً لخصوبتها ، أما أنصار السيد المسيح عليه السلام فقد فرشوا سعف النخيل في طريقه لأورشليم " بيت المقدس " للمرة الأولى حيث كان سعف النخيل علامة من علامات النصر وكان يقال للنبى عيسي عليه السلام ( ذو النخلة ) لكونه ولد تحتها .
النخلة عند المسلمين
ورد ذكر النخلة في القرآن الكريم في عشرين آية تقريباً في سور مختلفة ومنها : سورة إبراهيم آية 24- 25 قال تعالى : " الم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها " وفي سورة مريم آية 25 قال تعالى : " وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا فكلى واشربى وقري عينا " وفي سورة " ق" آية 10 قال تعالى :" ونزلنا من السماء ماء مباركاً فانبتنا به جنات وحب حصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد " . وروي عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – الكثير من الأحاديث الشريفة التي تعظم مكانة النخلة وفوائد تمرها ومنتجاتها المختلفة فقد روى البخاري وغيره عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما – وكان دون الحلم – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال : " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وانها مثل المسلم فحدثونى ما هى ؟ فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة ، فاستحييت ، ثم قالوا : حدثنا ما هى يا رسول الله ؟ قال :" هي النخلة " وفي رواية " ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم ، فلما قمنا حدثت أبي بما وقع في نفسي ، فقال : لأن تكون قلتها أحب الي من أن يكون لي حمر النعم " . وروى الإمام مسلم في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " بيت لا تمر فيه جياع أهله " كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين عند صيامهم بالافطار على التمر لما له من فائدة عظيمة للصائم ، عن أنس رضى الله عنه قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلى على رطبات فان لم تكن رطبات فتمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء " رواه ابو داود والترمذي .
ويحكى في تراثنا العربي أن أحد ملوك الروم أرسل لسيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قائلاً : " بلغنى أن ببلدك شجرة تخرج ثمرة كآذان الحمر ، ثم تنشق عن أحسن اللؤلؤ المنضد ، ثم تخضر فتكون كقطع الزمرد ، ثم تحمر ، ثم تصفر فتكون كقشور الذهب وقطع الياقوت ، ثم تينع فتكون كأطيب الفالوذج ثم تيبس فتكون قوتاً للحاضر وزاداً للمسافر ، فان صدقت رسلى فلا شك أنها من شجر الجنة " فكتب اليه سيدنا عمر : " نعم صدقت رسلك ، وانها الشجرة التي ولد تحتها المسيح عليه الصلاة والسلام ، فلا تدع مع الله الهاً آخر "
النخلة عند الشعراء
ظلت النخلة مصدراً لإلهام الشعراء العرب على مر العصور فطالما فتنوا بها وأفاضوا في وصفها لخيراتها العديدة وشموخها وأصالتها فقد وصفها ابو العلاء المعري بأنها أشرف الشجر قال :
وردنا مـــــاء دجلة خير ماء وزرنا أشرف الشجر النخيلا
وقال الحطيئة :
وأحلى من التمر الجنى وعنده بســـالة نفس ان أريد بسالها
ووجد فيها عبد الرحمن الداخل أنيساً له في غربته بالأندلس فانشد يقول :
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهى في التقرب والنوى وطول اكتئابى عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة فمثلك في الاقصاء والمنتأى مثلي
وقال أحمد شوقى عن التمر :
طعام الفقير وحلوى الغني وزاد المسافر والمغترب
وأنشد احدهم يقول :
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعأً يرمى بحجر فيلقى أطيب الثمر
إنتاج النخيل العربي
يقدر اجمالى عدد النخيل في العالم بما يقارب مائة مليون نخلة ، يمتلك الوطن العربي منها مايقارب 70مليون نخلة ،و كانت تمتلك العراق وحدها 32 مليون نخلة حتى العام 1980م وتراجع انتاحها إلى 10 ملايين نخلة نتيجة للعمليات العسكرية ، وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الأول إذ بلغ عدد أشجار النخيل بأراضيها 40 مليون نخلة تنتج حوالي 757601 طن من التمور " حسب إحصائية وزارة الزراعة والثروة السمكية بدولة الإمارات العام 2001م " وتمتلك المملكة العربية السعودية 13مليون نخلة ومصر 9.5مليون نخلة والجزائر 8مليون نخلة واليمن 5.5مليون نخلة وليبيا 4.6 مليون نخلة وينتج الوطن العربي من التمور 3مليون طن ( العام 1986م ) ويساهم الوطن العربى بنحو 74% من الانتاج العالمى للتمور ، وبلغت صادرات السعودية من التمور 19.4 الف طن وصادرات العراق 150الف طن قبل حرب الخليج الثانية .
أما الإحصاءات النسبية لإنتاج النخلة الواحدة من التمور فتصل إلى 53.3 كيلو جرام فى مصر ، وفي السعودية تنتج النخلة الواحدة 37 كجم وفي المغرب 18,5كجم
وفي ليبيا تبلغ 18كجم . أما اكثر الدول العربية استهلاكاً للتمور فتأتي السعودية على رأس القائمة يليها العراق وليبيا والجزائر ومصر .
فوائد النخلة
لا يوجد جزء في النخلة بدون فائدة ابتداء من جزعها حتى شوكها وقد آلفها العرب منذ القدم لتعدد فوائدها فمن ثمارها غذاء ومن جزوعها مواد للبناء ومن فروعها أثاث وغطاء .
وقد استخدم العرب جزوع النخلة في سقف البيوت وصناعة الآلات البدائية وصنعوا من جريدها الأقفاص والسلال والحصر والمراوح ، ومن ليفها صنعوا الحبال والمكانس اليدوية ، أما نوى البلح فاستخدموه علفاً للإبل وقد اثبت العلم الحديث أن نوى البلح يحتوى على زيت أجود من زيت بذرة القطن وإذا أحرق النوى واكتحل به الانسان سود العين وأنبت هدبها وإذا طبخ وشرب فتت الحصاة واذا احرق يلحم الجروح ، أما طلع النخلة فيحوي داخله حبوب اللقاح فيفيد بعد تصفيته في علاج حالات الالتهاب والنزيف والاسهال والحمى ويحتوي على مواد منشطة للجسم .
التمر غذاء ودواء
تتعدد ألوان التمر وأشكاله وأصنافه ، فمنه التمر الأخضر والأحمر والأصفر والأسود والرملي ومنه الجاف ، التمر ، الرطب ومنه الزغلول ، الأمهات ، السمانى ، العجوة .
وأهم أصنافه في الوطن العربي ( الخلاوي ، الخضراوي ، البرحي ، السكري ، القصبة ، مناخير ،الشراس ، الخلاص ، الساير ، المكتوم ، الزهدي ، الحفناوي ) .
وقد وصف التمر في الطب القديم بأنه مقو للكبد ملين للطبع وأكله على الريق يقتل الديدان ، وهو فاكهه وغذاء ودواء وشراب وحلوى ويحتوي على أملاح الكالسيوم والفوسفور والحديد التي تساعد على تقوية الدم والتخلص من الحموضة الزائدة والسموم المتراكمة في الجسم .
وكشفت الأبحاث المعملية الحديثة عن السر في قوة الإبصار عند سكان الواحات في البلاد العربية وقدرتهم على الرؤية لمسافات بعيدة بعدأن تم التوصل إلى أهمية التمر كقيمة غذائية عالية إذ أنه غني بفيتامين (أ) الذي يحافظ على أنسجة العين ورطوبتها وبريقها ويمنع ضعف الابصار وجفاف مقلة العين ويفيد في سلامة الطبقات الداخلية للعين لأنه يعمل على تكوين الخلايا الملونة في شبكة العين كما يحتوي التمر على أنواع متعددة من السكر كسكر العنب ( الجلوكوز) وسكر الفاكهة(الفركتوز ) وسكر القصب (السكروز) ونسبتها فيالتمر حوالي 70% وهي في التمر سريعة الامتصاص سهلة التمثيل الغذائي وتذهب للدم مباشرة دون حاجة لعمليات هضمية وكيميائية معقدة فالمعدة تستطيع هضم التمر خلال ساعة بينما باقي المواد الغذائية الأخرى تحتاج لما يقرب من ست ساعات ليتم هضمها وامتصاص السكر الموجود فيها .
أما الأثر النفسي للتمر فهو يضفي السكينة على النفوس القلقة المضطربة التي أثرت عليها أعباء الحياة الحديثة اذ أن التمر يساعد على تقليل افراز هرمونات الغدة الدرقية لاحتوائه على فيتامين ( أ) والذى يقلل من كيماويات الجسم الزائدة المسببة للاضطراب النفسي كما انه يحتوي على مجموعة فيتامين (ب) المركب التي تفيد في تقوية الأعصاب وتليين الأوعية الدموية وترطيب الأمعاء وحفظها من الالتهاب والضعف العام . ويفيد التمر في حالات الشلل وهبوط عضلة القلب وفي علاج القرحة المعدية وأمراض الكبد وجفاف الجلد ، ويعد الرطب من أفضل الأغذية للحامل والنفساء والمرضع لاحتوائه على المواد الغذائية في صورة مركزة سهلة الهضم تزيد من القيمة الغذائية في حليب الرضاعة وبالتالي يكسب المولود الصحة والمناعة ضد مختلف الأمراض . واذا اضيف اللبن على التمر كان منأحسن الأغذية وبخاصة لذوي الجهاز الهضمي الضعيف . وتقوم على التمر صناعات مختلفة منها : صناعة عسل التمر ، السكر السائل ، العجوة ، المربى والحلوى ، الخميرة ، الخل ، ويقوم على النوى صناعة الأدوية والأكحال والزيوت . على أثر ذلك اكتسبت النخلة عند العرب مكانة مرموقة فجعلوها رمزاً للشموخ والأصالة والعطاء المتجدد .